فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وإليك نظائر صفته التي في التوراة من صفاته في القرآن: {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا} نظيرها هذه الآية وحرزًا للأميين {هو الذي بعث في الأميين رسولًا منهم} سورة [الجمعة: 2] أنت عبدي ورسولي {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب} سورة [الكهف: 1] سميتك المتوكل {وتوكل على الله} سورة [الأحزاب: 3] ليس بفظ ولا غليظ {ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك} [سورة آل عمران: 159] ولا صخّاب في الأسواق {واغضض من صوتك} سورة [لقمان: 19] ولا يدفع السيئة بالسيئة {وادفع بالتي هي أحسن} سورة [فصلت: 34] ولكن يعفو ويصفح {فاعف عنهم واصفح} سورة [العقود: 13] ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملةَ العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينًا} سورة [المائدة: 3] ويفتح به أعينا عُمْيًا وآذانًا صُمًّا وقلوبًا غُلْفًا {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة} في سورة [البقرة: 7] في ذكر الذين كفروا مقابلًا لذكر المؤمنين في قوله قبله {هدى للمتقين} الآية [البقرة: 2].
ولنذكرْ هنا ما في سفر أشعياء ونقحم فيه بيان مقابلة كلماته بالكلمات التي جاءت في حديث عبد الله بن عمَرو.
جاء في الإصحاح الثاني والأربعين من سفر أشعياء: هو ذا عبدي أنت عبدي الذي أعضده مختاري ورسولي الذي سُرت به نفسي، وضَعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم لا يصيح ليس بفظّ ولا يرفع ولا غليظ ولا يسمع في الشارع صوته ولا صَخَّاب في الأَسواق قصبة مرضوضة لا يقصف ولا يدفع السيئة بالسيئة وفتيلة خامدة لا يَطفا يعفو ويصفح إلى الأمان يُخرج الحق وحرزًا لا يكلّ ولا ينكسر حتى يضع الحق في الأرض ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء وتنتظر الجزائر شريعته للأميين أنا الرب قد دعوتك بالبر فأُمسكُ بيدِك سميتك المتوكل وأحفظك ولن يقبضه الله وأجعلك عهدًا للشعب أرسلناك شاهدًا ونورًا للأمم مبشرًا لنفتح عيون العُمي ونفتح به أعينًا عميًا لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن وآذانًا صُمًّا الجالسين في الظلمة وقلوبًا غلفًا. أنا الرب هذا اسمي ومجدي لا أعطيه لآخر بأن يقولوا لا إله إلا الله.
{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47)}.
عطف على جملة {إنا أرسلناك} [الأحزاب: 45] عطف الإنشاء على الخبر لا محالة وهي أوضح دليل على صحة عطف الإِنشاء على الخبر إذ لا يتأتّى فيها تأويل مما تأوله المانعون لعطف الإِنشاء على الخبر وهم الجمهور والزمخشري والتفتزاني مما سنذكره إن شاء الله عند قوله تعالى: {تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله} إلى قوله: وبشر المؤمنين في سورة الصف [11- 13]، فالجملة المعطوف عليها إخبار عن النبي بأنه أرسله متلبسًا بتلك الصفات الخمس.
وهذا أمر له بالعمل بصفة المبشر، فلاختلاف مضمون الجملتين عطفت هذه على الأولى.
والفضل: العطاء الذي يزيده المعطي زيادة على العطية.
فالفضل كناية عن العطية أيضًا لأنه لا يكون فضلًا إلا إذا كان زائدًا على العطية.
والمراد أن لهم ثواب أعمالهم الموعود بها وزيادة من عند ربهم، قال تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} [يونس: 26].
ووصف {كبيرًا} مستعار للفائق في نوعه.
قال ابن عطية: قال لي أبي رضي الله عنه: هذه أرجى آية عندي في كتاب الله لأن الله قد أمر نبيئه أن يبشر المؤمنين بأن لهم عنده فضلًا كبيرًا.
وقد بين الله تعالى الفضل الكبير ما هو في قوله: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير} [الشورى: 22] فالآية التي في هذه السورة خبرٌ، والآية التي في حم عسق تفسير لها. اهـ.
{وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48)}.
جاء في مقابلة قوله: {وبشر المؤمنين} [الأحزاب: 47] بقوله: {ولا تطع الكافرين والمنافقين} تحذيرًا له من موافقتهم فيما يسألون منه وتأييدًا لفعله معهم حين استأذنه المنافقون في الرجوع عن الأحزاب فلم يأذن لهم، فنُهي عن الإِصغاء إلى ما يرغبونه فيترك ما أحلّ له من التزوّج، أو فيعطي الكافرين من الأحزاب ثَمر النخل صلحًا أو نحو ذلك، والنهي مستعمل في معنى الدوام على الانتهاء.
وعلم من مقابلة أمر التبشير للمؤمنين بالنهي عن طاعة الكافرين والمنافقين أن الكافرين والمنافقين هم متعلَّق الإِنذار من قوله: {ونذيرًا} [الأحزاب: 45] لأن وصف {بشيرًا} قد أخذ متعلّقه فقد صار هذا ناظرًا إلى قوله: {ونذيرًا} [الأحزاب: 45].
وقوله: {ودع أذاهم} يجوز أن يكون فعل {دع} مرادًا به أن لا يعاقبهم فيكون {دع} مستعملًا في حقيقته وتكون إضافة أذاهم من إضافة المصدر إلى مفعوله، أي دع أذاك إياهم.
ويجوز أن يكون {دع} مستعملًا مجازًا في عدم الاكتراث وعدممِ الاغتمام، فما يقولونه مما يؤذي ويكون إضافة أذاهم من إضافة المصدر إلى فاعله، أي لا تكترث بما يصدر منهم من أذىً إليك فإنك أجلّ من الاهتمام بذلك، وهذا من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه.
وأكثر المفسرين اقتصروا على هذا الاحتمال الأخير.
والوجه: الحمل على كلا المعنيين، فيكون الأمر بترك أذاهم صادقًا بالإِعراض عما يؤذون به النبي صلى الله عليه وسلم من أقوالهم، وصادقًا بالكف عن الإِضرار بهم، أي أن يترفع النبي صلى الله عليه وسلم عن مؤاخذتهم على ما يصدر منهم في شأنه، وهذا إعراض عن أذى خاص لا عموم له، فهو بمنزلة المعرف بلام العهد، فليست آيات القتال بناسخة له.
وهذا يقتضي أنه يترك أذاهم ويكلهم إلى عقاب آجل وذلك من معنى قوله: {شاهدًا} [الأحزاب: 45] لأنه يشهد عليهم بذلك كقوله: {فتول عنهم حتى حين وأبصرهم} [الصافات: 174 175].
والتوكل: الاعتماد وتفويض التدبير إلى الله.
وقد تقدم عند قوله تعالى: {فإذا عزمت فتوكل على الله} في سورة آل عمران (159) وقوله: {وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين} في سورة العقود (23)، أي اعتمد على الله في تبليغ الرسالة وفي كفايته إياك شر عدوك، فهذا ناظر إلى قوله: {وداعيًا إلى الله} [الأحزاب: 46].
وقوله: {وكفى بالله وكيلًا} تذييل لجملة {وتوكل على الله}.
والمعنى: فإن الله هو الوكيل الكافي في الوكالة، أي المجزي من توكّل عليه ما وكله عليه فالباء تأكيد، وتقدم قوله: {وكفى بالله وكيلًا} في سورة النساء (81).
والتقدير: كفى الله و{وكيلًا} تمييز.
فقد جاءت هذه الجمل الطلبية مقابلة وناظرة للجمل الإِخبارية من قوله: {إنا أرسلناك شاهدًا إلى وسراجًا منيرًا} [الأحزاب: 45، 46] فقوله: {وبشر المؤمنين} [الأحزاب: 47] ناظرًا إلى قوله: {ومبشرًا} [الأحزاب: 45].
وقوله: {ولا تطع الكافرين} ناظر إلى قوله: {ونذيرًا} [الأحزاب: 45] لأنه جاء في مقابلة بشارة المؤمنين كما تقدم.
وقوله: {ودع أذاهم} ناظر إلى قوله: {شاهدًا} [الأحزاب: 45] كما علمت.
وقوله: {وتوكل على الله} ناظر إلى قوله: {وداعيًا إلى الله} [الأحزاب: 46].
وأما قوله: {وسراجًا منيرًا} [الأحزاب: 46] فلم يذكَر له مقابل في هذه المطالب إلا أنه لما كان كالتذييل للصفات كما تقدم ناسب أن يقابله ما هو تذييل للمطالب، وهو قوله: {وكفى بالله وكيلًا}.
وهذا أقرب من بعض ما في الكشاف من وجوه المقابلة ومن بعض ما للآلوسي فانظرهما واحكم. اهـ.

.قال الشعراوي:

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45)}.
الشاهد: هو الذي يؤيد ويُثبِّت الحق لصاحبه؛ لذلك يطلب القاضي شهادة الشهود ليأتي حكمه في القضية عن تحقيق وبيِّنة ودليل؛ لذلك يقولون إن القاضي لا يحكم بعلمه، إنما بالبينة حتى إنْ علم شيئًا في حياته العامة، ثم جاء أمامه في القضاء يتركه ويتنحَّى عنه لقاضٍ آخر يحكم فيه حتى لا يبني حكمه على علمه هو.
وحين نتأمل هذه المسألة تجد أن الله تعالى يريد أنْ يُوزِّع مسئولية الحكم على عدة جهات، حتى إذا ما صدر الحكم يصدر بعد تدقيق وتمحيص وتصفية لضمان الحق.
فنرى مثلًا إذا حدثتْ حادثة نذهب إلى القسم لعمل محضر بالحادث، المحضر يحيله ضابط الشرطة إلى النيابة، فتحيله النيابة للقاضي ليحكم فيه، ثم يُعَاد مرة أخرى للسلطة التنفيذية ليُنفَّذ، كل هذه الدورة يُراد بها تحري الحق ووضعه في نصابه.
فما بالك إذا كان الحق سبحانه هو الذي يشهد، وهو الذي يحكم، وهو الذي يُنفِّذ الحكم؟ لا شكَّ أن العدالة هنا ستكون عدالة مطلقة. فإنْ قلتَ: إذن عَلاَم يشهد رسول الله؟
قالوا: يشهد رسول الله أنه بلَّغ أمته، كما يشهد الرسل جميعًا أنهم بلَّغوا أممهم كما قال سبحانه: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء شَهِيدًا} [النساء: 41].
إذن: كل رسول شهيد على أمته، وأنت شهيد على هذه الأمة أنك قد بلَّغتها، لكن ميْزتُك على مَنْ سبقك من إخوانك الرسل أن تكون خاتمهم، فلا نبيَّ بعدك؛ ولذلك سأجعل من أمتك من يخلف الأنبياء الذين يأتون بعد الرسل في مهمتهم.
لذلك جاء في الحديث الشريف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل».
إذن: ضمن الحق سبحانه في أمة محمد أنْ يوجد فيه مَنْ يقوم بمهمة الأنبياء في البلاغ، وهذا معنى {لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى الناس} [البقرة: 143].
وكلمة الناس هنا عامة، تشمل آدم عليه السلام وذريته إلى قيام الساعة، فإنْ قلتَ كيف؟ نقول: يشهدون على الناس بشهادة القرآن أن الرسل قد بلَّغَتْ أممها، هذا بالنسبة لمن مضى منهم، أما مَنْ سيأتي فأنتم مطالبون بأن تشهدوا عليهم أنكم قد بلَّغتموهم، كما يشهد عليكم رسول الله أنه قد بلَّغكم.
إذن: فأمة محمد أخذت حظًا من النبوة، وهو أنها ستُسْتدعي وتشهد على الناس.
لذلك يُعِدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته لهذه المهمة، فيقول: «نضَّر اللهُ امرءًا، سمع مقالتي فوعاها، ثم أدَّاها إلى مَنْ يسمعها، فرُبَّ مُبلَّغٍ أوعى من سامع».
واقرأ أيضًا في ذلك قول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] لماذا؟ {لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى الناس وَيَكُونَ الرسول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] فهذه الأمة في الوسط، بحيث لا إفراط ولا تفريط، وما أشبهها بالميزان الذي لا تميل كفة عن الأخرى إلا بما يُوضعَ فيها، فهي كالميزان العادل الذي لا يميل هنا أو هناك.
وقوله سبحانه: {وَمُبَشِّرًا} [الأحزاب: 45] لمن استجاب لك بثواب الله، والبشارة هي الإخبار بالخير قبل أوانه {وَنَذِيرًا} [الأحزاب: 45] أي: منذرًا لمن لم يُصدقك بعقاب الله، والإنذار هو التخويف بشرٍّ لم يأْت أوانه {وَدَاعِيًا إِلَى الله بِإِذْنِهِ} [الأحزاب: 46] أي: بأمر منه، لا تطَوُّعًا من عندك، فقد يأتي زعيم من الزعماء أو مصلح من المصلحين بمنهج أو بأفكار من عنده ويبثُّها في مجتمعه.
فقوله تعالى: {بِإِذْنِهِ} [الأحزاب: 46] يبين الفرق بين الرسول والمصلح من البشر، فهذا الذي جاء به محمد من عند الله، وما بلَّغكم به إلا بأمر الله.
ويُشترط فيمَنْ يدعو إلى منهج الخير ثلاثة شروط:
الأول: ألاَّ ينتفع بشيء مما يدعو إليه، وهذا لا يوجد في بشر أبدًا، وقد رأينا: حينما قنَّنَ الرأسماليون غَبَنُوا العمال، وحينما قنَّنَ الاشتراكيون غبنوا الرأسمالين.. وهكذا.
وذلك لأن البشر لهم أهواء مختلفة متعددة، وكلٌّ يريد أنْ يُقنِّن على هواه، وبما يخدم مصالحه، يريد أنْ يُسخِّر غيره لخدمة هواه، وبعد فترة قد تطول تفضحهم التجارب، ويفضحهم الواقع، وتُظهِر لهم أنفسهم مساويء ما قنَّنُوا حتى يثوروا هم على قوانينهم، وينتفضوا على أنفسهم، ويعودوا إلى تعديل هذه القوانين.
الشرط الثاني: أن يكون على علم بالأحداث المحتملة بعد أنْ يُقنِّن، وألاَّ تغيب عنه جزئية من جزئيات الموضوع، فيحتاج إلى تعديل القانون أو الاستدراك عليه.
ثالثًا: يُشترط فيمَنْ يُقنِّن أن يكون حكيمًا فيما يُقنِّن، بحيث يضع الأمر في موضعه، فلا ينصف جماعة على حساب أخرى، وأن يكون الجميع أمامه سواء.
وحين تتأمل هذه الشروط الثلاثة تجدها لا تتوفر إلا في الحق سبحانه وتعالى، إذن: ينبغي ألاَّ ييُقنِّن للبشر إلا ربُّ البشر، وسبق أنْ أوضحنا هذه المسألة بمثال من المحسوسات، فالناس في الظلمة يحتاجون لبعض النور؛ ليهتدوا به إلى قضاء مصالحهم في الليل، فينير كلٌّ منا ليله بما يناسبه من وسائل الإضاءة، فواحد يشعل شمعة، وآخر لمبة نمرة خمسة وآخر لمبة نمرة عشرة، وبعد ما استخدمنا الكهرباء رأينا اللمبة العادية والفوروسنت والنيون والكرستال. إلخ.
إذن: أنتم تنيرون ظلمتكم على قدر إمكاناتكم، فإذا ما أشرقتْ شمس الصباح، أَتُبْقون على هذه الأنوار؟ لا بل يطفيء الجميع أنواره؛ لأن نور الشمس يأتي على قدر إمكانات خالقها عز وجل، لذلك نقول: أطفئوا مصابيحكم، فقد طلعت شمس الله، فإذا كان ذلك في النور الحسيِّ فهو أيضًا ومن باب أَوْلَى في النور المعنوي، فإذا جاءك نور التشريع ونور المنهج من الله، فأطفيء ما عداه من تشريعات ومناهج.
وقوله تعالى: {وَسِرَاجًا مُّنِيرًا} [الأحزاب: 46] شبّه الحق سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم بالسراج، ولا تستقلّ هذا الوصف في حقِّ رسول الله، فليس معنى السراج أنه كالسراج الذي يضيء لك الحجرة مثلًا، إنما هو كالسراج الذي قال له عنه:
{وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا} [النبأ: 13] والمراد: الشمس.
فإذا قُلْتَ: فلماذا لم يُوصفَ النبي صلى الله عليه وسلم بأنه شمس، وقد قال تعالى عنها: {هُوَ الذي جَعَلَ الشمس ضِيَاءً} [يونس: 5].
والشمس أقوى من السراج؟ قالوا: الكلام هنا كلام ربٍّ والأسلوب دقيق معجز، صحيح أن الشمس تنير الدنيا كلها، إنما أمة محمد مُكلَّفة أن تقوم بدعوته من بعده، فكأن رسول الله سراج، والسراج تأخذ منه النور دون أنْ ينقص نورُه، لكن لا تستطيع أنْ تأخذ من الشمس.
وحين سطعتْ أنوار الهداية على لسان رسول الله محمد لم يَعُدْ للشرائع الأولى أنْ تتدخل على حدِّ قول المادح:
كَأنَّكَ شَمْسٌ والملُوكُ كَواكِبُ ** إذَا طلعَتْ لم يَبْدُ مِنْهُنَّ كوكَبُ

ثم يقول الحق سبحانه: {وَبَشِّرِ المؤمنين بِأَنَّ}.
نقول في الدعاء: اللهم عاملنا بالفضل لا بالعدل؛ لأن العدل أن تأخذ الجزاء المساوي للعمل، أو تأخذ حقك، أمَّا الفضل فأنْ تأخذ فوق حقك وزيادة، ومن ذلك قوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ} [يونس: 58].